فصل: 1899 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ كَرَّرَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ظِهَارٌ، وَلاَ كَفَّارَةٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَابُ الظِّهَارِ

1898 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ قَالَ مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ لأَمْرَأَتِهِ، أَوْ لأََمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ مِنِّي بِظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ مِثْلُ ظَهْرِ أُمِّي فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُحَرَّمُ بِذَلِكَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ، حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ‏.‏ وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ‏:‏ الْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْمَعِيبُ وَالسَّالِمُ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلاَ أَنْ يَمَسَّهَا بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ فَضْلاً عَنْ الْوَطْءِ إِلاَّ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِالصِّيَامِ، فَإِنْ أَقْدَمَ أَوْ نَسِيَ فَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالصِّيَامِ‏:‏ أَمْسَكَ عَنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُتَغَايِرِينَ شَبَّعَهُمْ‏.‏ وَلاَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْإِطْعَامِ، وَلاَ يَجِبُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ بِذِكْرِ ‏"‏ ظَهْرِ الْأُمِّ ‏"‏، وَلاَ يَجِبُ بِذِكْرِ فَرْجِ الْأُمِّ، وَلاَ بِعُضْوٍ غَيْرِ الظَّهْرِ، وَلاَ بِذِكْرِ الظَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ، لاَ مِنْ ابْنَةٍ، وَلاَ مِنْ أَبٍ، وَلاَ مِنْ أُخْتٍ، وَلاَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَالْجَدَّةُ أُمٌّ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ الآيَةَ إلَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏‏.‏ فَهَذِهِ الآيَةُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَاهُ، لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ إِلاَّ الظَّهْرَ مِنْ الْأُمِّ، وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ بِالْعَوْدِ لِمَا قَالَ، وَأَوْجَبَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ كَافِرَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ، وَلاَ مَعِيبَةً مِنْ صَحِيحَةٍ، وَلاَ ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَلاَ كَبِيرًا مِنْ صَغِيرٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَشَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ قَبْلَ التَّمَاسِّ‏.‏ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ لاَ يَضِلُّ رَبِّي، وَلاَ يَنْسَى تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏.‏ وَلاَ يُجْزِئُ التَّكْرَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لأََنَّهُمْ لَيْسُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلاَ خِلاَفَ فِي الْإِشْبَاعِ‏.‏ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ‏.‏ وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلاَ زَوْجَةٍ مِنْ أَمَةٍ‏.‏ وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ‏:‏ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الأَمَةِ لاَ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَعِكْرِمَةُ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ، إِلاَّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الظِّهَارِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ‏:‏ كَفَّارَةُ يَمِينٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ يَطَأُ الأَمَةَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَطَؤُهَا فَلاَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ‏:‏ صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الظِّهَارُ مِنْ الأَمَةِ كَالظِّهَارِ مِنْ الْحُرَّةِ‏:‏ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وطَاوُوس، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَاهُ عَلَى الْإِيلاَءِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ وَالتَّحَكُّمِ، لأََنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الْإِيلاَءِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِ ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، إذْ يَقُولُ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ الْإِمَاءُ مَعَ الْحَرَائِرِ‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ أَضْعَفَ النُّصُوصِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِيهِ عُمُومَ الْقُرْآنِ لِقِيَاسٍ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ عِلَّةٌ تَجْمَعُهُ بِالْإِيلاَءِ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَتَوْا بِأَهْذَارٍ بَعْدَ هَذَا لاَ مَعْنَى لِذَكَرِهَا، لأََنَّهَا سَخَافَاتٌ وَحَمَاقَاتٌ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الظِّهَارُ يَجِبُ بِقَوْلٍ مَرَّةً‏.‏ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ‏"‏ الْعَوْدِ لِمَا قَالُوا ‏"‏‏.‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَرَّةً ‏"‏ الْعَوْدُ لِمَا قَالُوا ‏"‏ هُوَ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ حَتَّى يَطَأَهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ وَطْئِهَا حِينَئِذٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ طَاوُوس، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعُودُ لِمَسِّهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏.‏ قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُوس قَالَ‏:‏ إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ الْبَتِّيُّ‏:‏ إنْ مَاتَتْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِيرَاثِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ وَطِئَهَا كَفَرَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الْعَوْدُ هَهُنَا إرَادَةُ الْوَطْءِ، فَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ حَتَّى يُرِيدَ وَطْأَهَا، فَإِذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَحِينَئِذٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ عَنْ وَطْئِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَهَكَذَا أَبَدًا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا وَهُوَ أَسْقَطُ الأَقْوَالِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الأَدِلَّةِ، وَلأََنَّهُ إيجَابٌ وَإِبْطَالٌ لِلدَّعْوَى بِلاَ مَعْنَى‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏ الْعَوْدِ ‏"‏ أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لاَ تَرْفَعُهُ إِلاَّ الْكَفَّارَةُ، إِلاَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى مَاتَتْ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرَادَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ وَطْأَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ عَلَيْهِ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلاَ يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ‏:‏ وَالظِّهَارُ قَوْلٌ كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهُوا عَنْهُ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْفَسَادِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، لأََنَّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ وَلَعِبٌ وَكَذِبٌ ظَاهِرٌ، لأََنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَهُ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ لِمَا قَالَ غَيْرُهُمْ‏.‏ وَذِكْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا لِظُهُورِ فَسَادِهِمَا، وَأَنَّهُمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُمَا لاَ يُحْفَظَانِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا مُدَّةً بِقَدْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، فَلاَ يُطَلِّقُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ‏.‏ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ مَاتَتْ أَوَعَاشَتْ، طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا إثْرَ ظِهَارِهِ مِنْهَا فَلاَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا‏.‏ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا وَعَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدُ مَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا رُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، وَيَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ جَمِيعُ الأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا إنَّمَا هِيَ دَعَاوَى لاَ تُوَافِقُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظَةُ ‏"‏ الْعَوْدِ لِمَا قَالَ ‏"‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، نَعْنِي مَنْ فَسَّرَ ‏"‏ الْعَوْدَ ‏"‏ بِالْوَطْءِ، أَوْ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَوْدًا لِمَا قَالَ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لاَ يَرْفَعُهُ إِلاَّ الْكَفَّارَةُ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ وَحْدَهُ، لَكِنْ بِهِ وَبِ ‏"‏ الْعَوْدِ لِمَا قَالَ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا وَهُوَ ‏"‏ أَنْ يَعُودَ لِمَا قَالَ ثَانِيَةً ‏"‏، وَلاَ يَكُونُ الْعَوْدُ لِلْقَوْلِ إِلاَّ بِتَكْرِيرِهِ، لاَ يُعْقَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَارِمٍ، كِلاَهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يَصِحُّ فِي الظِّهَارِ إِلاَّ هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ، إِلاَّ خَبَرًا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَسَاقِطٌ‏:‏ إمَّا مُرْسَلٌ، وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَّا فِي ‏"‏ كِتَابِ الْإِيصَالِ ‏"‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّقَابِ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عِتْقُ الْكِتَابِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏ وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ يَجْزِي وَإِنَّمَا قَالَ الْمَالِكِيُّونَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى رَقَبَةِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا ‏[‏ مِنْهُ ‏]‏ بَاطِلاً، لأََنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي أَنْ لاَ يَجْزِيَ فِيهِمَا كَافِرٌ، وَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَلاَ قَاسُوا إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْ الصِّيَامِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَسُوغُ لأََحَدٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ يُذْكَرْ تَعْوِيضُ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، إنَّمَا ذُكِرَ فِي الظِّهَارِ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ وَلاَ ذُكِرَتْ الْمُؤْمِنَةُ إِلاَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلَمْ تُذْكَرْ فِي الظِّهَارِ، فأما قِيسُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَمَّا أَنْ لاَ تَقِيسُوا ‏[‏ كُلَّ ‏]‏ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى‏.‏

وَأَمَّا قِيَاسُكُمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي بَعْضِ مَا فِيهَا دُونَ سَائِرِ مَا فِيهَا فَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، وَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الرَّقَبَةِ الْمَعِيبَةِ أَقْوَالاً فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏.‏ وَلاَ نَدْرِي مَا ذَنْبُ الْمَعِيبِ عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يُجِيزُوا عِتْقَهُ فِي وَاجِبٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ السَّالِمُ أَكْثَرُ ثَمَنًا

قلنا‏:‏ وَالْبَيْضَاءُ الْجَمِيلَةُ أَكْثَرُ ثَمَنًا مِنْ السَّوْدَاءِ الذَّمِيمَةِ، فَلاَ تُجِيزُوا فِي ذَلِكَ السَّوْدَاءَ الذَّمِيمَةَ وَجُمْلَةُ الأَمْرِ فَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ بِمِثْلِهَا‏.‏ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّ عِتْقَ الأَعْمَى يَجْزِي فِي ذَلِكَ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الأَشَلَّ يَجْزِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ بِغَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ ظِهَارًا‏:‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأُخْتٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ كَأُمِّهِ لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنْ ظَاهَرَ بِبِنْتِ خَالِهِ فَلَيْسَ ظِهَارًا‏.‏ وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ هُوَ أَشْهُرُ أَقْوَالِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ظَاهَرَ بِامْرَأَةٍ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا يَوْمًا وَمِنْ الدَّهْرِ فَلَيْسَ ظِهَارًا، مَنْ ظَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا قَطُّ فَهُوَ ظِهَارٌ‏.‏

وقال مالك‏:‏ مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بِابْنَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ ظِهَارٌ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ لاَ ظِهَارَ إِلاَّ بِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ وَهُوَ قَوْلٌ رَوَاهُ أَيْضًا أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ‏:‏ لاَ ظِهَارَ إِلاَّ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ‏:‏ مِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لأََنَّهُنَّ مُحْرِمَاتٌ كَالْأُمِّ

قلنا‏:‏ وَالأَبُ أَيْضًا مُحَرَّمٌ كَالْأُمِّ، وَجَمِيعُ الرِّجَالِ كَذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسُوا مِنْ النِّسَاءِ، وَالْأُمُّ مِنْ النِّسَاءِ‏.‏

قلنا‏:‏ وَلاَ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ أُمَّهَاتٌ، وَالْأُمُّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْهُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ قِيَاسٍ وَقِيَاسٍ وَقَالَ لِمَنْ قَالَ بِالظِّهَارِ مِنْ كُلِّ أَجْنَبِيَّةٍ، وَمِنْ الأَبِ أَيْضًا‏:‏ مِنْ أَيْنَ قِسْتُمْ الظِّهَارَ بِالأَبِ عَلَى الظِّهَارِ بِالْأُمِّ، وَلَمْ تَقِيسُوا ظِهَارَ الْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى ظِهَارِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ أَجَلُ مِنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَتْ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَسَأَلْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ قَالَ الأَثْرَمُ‏:‏ فَقُلْت لأََحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏:‏ أَتُكَفِّرُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ تُكَفِّرُ فَهَذَا كَمَا يَرَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مُصْعَبٍ هَذَا قَدِيمٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ ظَاهَرَتْ مِنْ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ إنْ تَزَوَّجَتْهُ، فَتَزَوَّجَتْهُ فَسَأَلَتْ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَأُمِرَتْ بِكَفَّارَةٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ الْحُمْرَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلاَهُمَا بِمِثْلِ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ‏:‏ قَالَتْ بِنْتُ طَلْحَةَ‏:‏ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ إنْ نَكَحْته فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِيهَا، ثُمَّ نَكَحَتْهُ، فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالُوا‏:‏ تُكَفِّرُ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا‏:‏ هُوَ عَلَيْهَا كَأَبِيهَا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ قَالَتْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا، فَنَرَى أَنْ تُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلاَ يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ النَّهْدِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى‏:‏ تُظَاهِرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ ظِهَارًا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ كَانَ الظِّهَارُ طَلاَقَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلاَقُ إلَى الرِّجَالِ‏.‏

قلنا‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ عِنْدَكُمْ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلاَقَ الْجَاهِلِيَّةِ فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ الطَّلاَقُ بِيَدِ الْمَرْأَةِ إذَا جَعَلَهُ الرَّجُلُ بِيَدِهَا فَقُولُوا كَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ فَسَادَ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضَهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ ظَاهَرَ بِرَأْسِ أُمِّهِ أَوْ يَدِهَا فَهُوَ ظِهَارٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ ظَاهَرَ بِشَيْءٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ بِشَيْءٍ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ فَلَيْسَ ظِهَارًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَكُلُّ هَذِهِ مَقَايِيسُ فَاسِدَةٌ، لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ‏:‏ أَنَّ مَا ظَاهَرَ بِهِ مِنْ أَعْضَاءِ أُمِّهِ فَهُوَ ظِهَارٌ وَالْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا‏:‏ مِنْ أَنْ لاَ نَتَعَدَّى النَّصَّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ كَرَّرَ الْإِطْعَامَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا خِلاَفُ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ لَيْلاً قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُنَّ أَوْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقٍ أَوْ بِصَوْمٍ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لاَ يُكَفِّرُ، لأََنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ عَلَى الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَظَاهِر يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ‏:‏ يَمْسِكُ حَتَّى يُكَفِّرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَيْضًا عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت عَشَرَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْ الْمُظَاهِرِ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَقَالُوا‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏ وَقَالَ وَكِيعٌ‏:‏ وَهُمْ‏:‏ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وطَاوُوس وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ‏.‏ قَالَ وَكِيعٌ‏:‏ وَالْعَاشِرُ أَرَاهُ نَافِعًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ‏:‏ عَنْ التَّيْمِيِّ بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ عُمَرَ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ‏.‏ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏

وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَيْضًا

وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ عَلَيْهِ ثَلاَثُ كَفَّارَاتٍ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ يُونُسُ‏:‏ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالاَ جَمِيعًا فِي الَّذِي يُظَاهِرُ ثُمَّ يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ‏:‏ عَلَيْهِ ثَلاَثُ كَفَّارَاتٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَوْلاَ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

قال أبو محمد‏:‏ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَبَرٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ لاَ يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ قُبُلَ الَّتِي ظَاهَرَ عَلَيْهَا لَيْلاً، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الشَّهْرَيْنِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ‏:‏ يَبْتَدِئُ الشَّهْرَيْنِ مِنْ ذِي قَبْلٍ، وقال أبو حنيفة؛ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يُتِمُّهُمَا بَانِيًا عَلَى مَا صَامَ مِنْهُمَا‏.‏ وَهَذَا هُوَ صَحِيحٌ، إذْ إنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرَانِ يَتِمَّانِ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ بَعْدُ فَلاَ يَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْهُمَا بَعْدَ الْوَطْءِ، وَمَا مَضَى مِنْهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَنْ يَكُونَا بِكَمَالِهِمَا بَعْدَ الْوَطْءِ‏.‏

وَأَمَّا ظِهَارُ الْعَبْدِ فَفِيهِ اخْتِلاَفٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْعَبْدِ يُظَاهِرُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ إنْ صَامَ شَهْرًا أَجْزَأَ عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي عَبْدٍ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ قَالَ‏:‏ يَنْتَظِرُ الصَّوْمَ، وَلاَ ظِهَارَ لِعَبْدٍ دُونَ سَيِّدِهِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْعَبْدِ الْمَظَاهِرِ يَصُومُ شَهْرَيْنِ وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ فِي الْعِتْقِ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ إِلاَّ الصَّوْمُ وَالصَّلاَةُ‏.‏ وَقَالَ طَاوُوس كَقَوْلِنَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ‏:‏ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس‏:‏ مَا كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي ظِهَارِ الْعَبْدِ قَالَ‏:‏ كَانَ يَقُولُ عَلَيْهِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْحُرِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يَصُومُ شَهْرَيْنِ، وَلاَ يَجْزِيهِ الْعِتْقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

1899 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ كَرَّرَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ظِهَارٌ، وَلاَ كَفَّارَةٌ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ جَعَلَ رَجُلٌ امْرَأَةً كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ تَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْتهَا فَلاَ تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الظِّهَارَ قَبْلَ النِّكَاحِ شَيْئًا، وَلاَ يَرَى أَيْضًا الطَّلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ شَيْئًا وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ إنْ ظَاهَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ فَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ‏.‏

قلنا‏:‏ إنَّمَا الظِّهَارُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ لاَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لاَ يَلْزَمَ الْحُكْمُ لِلْقَوْلِ حِينَ يُقَالُ ثُمَّ يَلْزَمَ حِينَ لاَ يُقَالُ‏.‏ وَمَنْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ وَطَأْتُك، أَوْ قَالَ‏:‏ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَكَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ظِهَارًا فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لأََنَّهُ لَمْ يُمْضِ الظِّهَارَ، وَلاَ الْتَزَمَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي غَيْرِ حَالِ الْتِزَامِهِ، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ نَصَّ هَهُنَا‏.‏

1900 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لأََنَّ الثَّانِيَةَ بِهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَحَصَلَتْ الثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً لاَ تُوجِبُ شَيْئًا، فَإِنْ كَرَّرَ رَابِعَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا أَعَادَ مِنْ الظِّهَارِ لأََنَّ بِتَكْرَارِهِ ثَانِيَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْزَمُ، فَيَكُونُ فِيمَا بَعْدَهَا مُبْتَدِئًا لِلظِّهَارِ، فَإِنْ كَرَّرَهُ وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ إذَا ظَاهَرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ فِي مَقَاعِدَ شَتَّى فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْإِيمَانُ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

رُوِّينَا عَنْ طَاوُوس، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا‏:‏ إذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ خَمْسِينَ مَرَّةً فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ‏.‏ وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى مَا لَمْ يُكَفِّرْ، فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ إذَا ظَاهَرَ مِرَارًا وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالأَيْمَانُ كَذَلِكَ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ كَانَ كَرَّرَ الظِّهَارَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَنَوَى التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لاَ نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ

برهان عَلَى صِحَّتِهَا، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1901 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْهُ مَوْتُهُ، وَلاَ مَوْتُهَا، وَلاَ طَلاَقُهُ لَهَا، وَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ لأََنَّهَا مِنْ دُيُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ‏.‏

1902 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ‏:‏ فَحُكْمُهُ الْإِطْعَامُ أَبَدًا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يُوسِرْ، قَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ لَمْ يَقْوَ وَذَلِكَ لأََنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْهُ شَيْئًا أَصْلاً، فَهُوَ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُوَقِّتْ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ آخَرَ فَهُوَ لاَزِمٌ أَبَدًا، لأََنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى وَاجِبٌ لاَ يُسْقِطُهُ شَيْءٌ‏.‏ وَمَنْ كَانَ حِينَ لُزُومِهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَهُ قَادِرًا عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ لَمْ يَجْزِهِ غَيْرُهَا أَبَدًا، وَإِنْ افْتَقَرَ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لأََنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ قَدْ اسْتَقَرَّ، فَلاَ يُحِيلُهُ شَيْءٌ‏.‏ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرَّقَبَةِ قَادِرًا عَلَى صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَلاَ يَحُولُ بَيْنَهُمَا رَمَضَانُ، وَلاَ بِيَوْمٍ لاَ يَحِلُّ صِيَامُهُ، وَاتَّصَلَتْ قُوَّتُهُ كَذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصُمْهَا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ إلَى أَنْ مَاتَ لَمْ يَجْزِهِ إطْعَامٌ، وَلاَ عِتْقٌ أَبَدًا، فَإِنْ صَحَّ صَامَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ صَامَهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ صِحَّتُهُ وَقُوَّتُهُ عَلَى الصِّيَامِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّ أَيْسَرَ فِي خِلاَلِهَا فَالْعِتْقُ فَرْضُهُ أَبَدًا، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَالْإِطْعَامُ فَرْضُهُ أَبَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏